فصل: تفسير الآية رقم (101):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (100)}.
بعد أن بين الحق سبحانه وتعالى أن الدين الإسلامي، وكتابه القرآن فيه من الآيات الواضحة ما يجعل الإيمان به لا يحتاج إلا إلي وقفة مع العقل مما يجعل موقف العداء الذي يقفه اليهود من الإسلام منافيا لكل العهود التي أخذت عليهم، منافيا للإيمان الفطري، ومنافيا لأنهم عاهدوا الله ألا يكتموا ما جاء في التوراة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنافيا لعهدهم أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنافيا لما طلب منهم موسى أن يؤمنوا بالإسلام عندما يأتي الرسول، مصداقا لقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81)} سورة آل عمران.
وهكذا نعرف أن موسى عليه السلام الذي أخذ عليه الميثاق قد أبلغه إلي بني إسرائيل، وأن بني إسرائيل كانوا يعرفون هذا الميثاق جيدًا عند بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت عندهم أوصاف دقيقة للرسول عليه الصلاة والسلام.. ولكنهم نقضوه كما نقضوا كثيرا من المواثيق.. منها عهدهم بعدم العمل في السبت، وكيف تحايلوا على أمر الله بأن صنعوا مصايد للأسماك تدخل فيها ولا تستطيع الخروج وهذا تحايل على أمر الله، ثم كان ميثاقهم في الإيمان بالله إلها واحدًا أحدا، ثم عبدوا العجل.. وكان قولهم لموسى عليه السلام بعد أن أمرهم الله بدخول واد فيه زرع.. لأنهم أرادوا أن يأكلوا من نبات الأرض بدلا من المن والسلوى التي كانت تأتيهم من السماء.. قالوا لموسى: {فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}.. وغير ذلك الكثير من المواثيق بالنسبة للحرب والأسرى والعبادة، حتى عندما رفع الله تبارك وتعالى جبل الطور فوقهم ودخل في قلوبهم الرعب وظنوا أنه واقع عليهم، ولم يكن هذا إلا ظنا وليس حقيقة.. لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وظنوا أنه واقع بهم}.. وبمجرد ابتعادهم عن جبل الطور نقضوا الميثاق.
ثم نقضوا عهدهم وميثاقهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلي المدينة وذلك في غزوة الخندق.. وعندما أرادوا أن يفتحوا طريقا للكفار ليضربوا جيوش المؤمنين من الخلف.
قوله تعالى: {نبذه فريق منهم} قلنا إن هذا يسمى قانون صيانة الاحتمال.. لأن منهم من صان المواثيق.. ومنهم من صدق ما عاهد الله عليه.. ومنهم مثلا من كان يريد أن يعتنق الدين الجديد ويؤمن بمحمد عليه الصلاة والسلام. إذن فليسوا كلهم حتى لا يقال هذا على مطلق اليهود.. لأن فيهم أناسا لم ينقضوا العهد.. ويريد الله تبارك وتعالى أن يفتح الباب أمام أولئك الذين يريدون الإيمان، حتى لا يقولوا لقد حكم الله علينا حكما مطلقا ونحن نريد أن نؤمن ونحافظ على العهد، ولكن هؤلاء الذين حافظوا على العهد كانوا قلة.. ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى: {بل أكثرهم لا يؤمنون}.. أي أن الفريق الناقض للعهد الناقض للإيمان هم الأكثرية من بني إسرائيل. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
الجمهور على تحريك واو {أَوَكلما}، واختلف النحويون في ذلك على ثلاثة أقوال: فقال الأخفش: إن الهمزة للاستفهام، والوو زائدة وهذا على رأيه في جواز زيادتها.
وقال الكسائي هي {أو} العاطفة التي بمعنى بل ونما حركت الواو.
ويؤيده قراءة من قرأها ساكنة.
وقال البصريون: هي واو العطف قدمت عليها همزة الاستفهام على ما عرف.
قال القرطبي: كما دخلت همزة الاستفهام على الفاء في قوله: {أَفَحُكْمَ الجاهلية} [المائدة: 50]، {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم} [يونس: 42]، {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ} [الكهف: 50].
وعلى ثم كقوله: {أَثُمَّ إِذَا مَا}.
وقد تقدم أن الزمخشري يقدر بين الهمزة وحرف العطف شيئًا يعطف عليه ما بعده، لذلك قدره هُنَا: أكفروا بالآيات البينات، وكلما عاهدوا.
وقرأ أبو السّمَال العدوي: {أوْ كلما} ساكنة الواو، وفيها ثلاثة أقوال: فقال الزمخشري: إنها عاطفة على {الفاسقين}، وقدره بمعنى إلا الذين فسقوا أو نقضوا، يعني به: أنه عطف الفعل على الاسم؛ لأنه في تأويله كقوله: {إِنَّ المصدقين والمصدقات وَأَقْرَضُواْ} [الحديد: 18] أي: اصَّدَّقُوا وأقرضوا.
وفي هذا كلام يأتي في سورته إن شاء الله تعالى.
وقال المهدوي: أو لانقطاع الكلام بمنزلة أم المنقطعة: يعني أنها بمعنى بل، وهذا رأى الكوفيين، وقد تقدم تحريره وما استدلّوا به من قوله: الطويل:
...... ** أَوْ أَنْتَ فِي الْعَيْنِ أَمْلَحُ

في أول السورة.
وقال بعضهم: هي بمعنى الواو فتتفق القراءاتان، وقد وردت أو بمنزلة الواو.
كقوله: الكامل:
...... ** مَا بَيْنَ مُلْجِمِ مُهْرِهِ أَوْ سَافِعِ

{خطيائة أَوْ إِثْمًا} [النساء: 112] {آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] فلتكن هنا كذلكن وهذا أيضاَ رأي الكوفيين.
والناصب ل {كلّما} بعده، وقد تقدم تحقيق القول فيها، وانتصاب {عَهْدًا} على أحد وجهين: إما على المصدر الجاري على غير المصدر وكان الأصل: مُعَاهَدَة أو على المفعول به على أن يضمن عاهدوا معنى أَعْطوْا ويكون المفعول الأول محذوفًا، والتقدير: عاهدوا الله عَهْدًا.
وقرئ: {عَهِدُوا} فيكون {عَهْدًا} مصدرًا جاريًا على صدره.
وقرئ أيضًا: {عُوهِدُوا} مبينًا للمفعول.
قوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} فيه قولان:
أحدهما: أنه من باب عَطْف الجمل، وتكون {بل} لإضراب الانتقال لا الإبطال، وقد علم أن {بل} لا تسمَّى عاطفة حقيقية إلا في المفردات.
الثاني: أنه يكون من عطف المفردات، ويكون {أكثرهم} معطوفًا على {فريق}، و{لاَ يُؤْمِنُونَ} جملة في محلّ نصب على الحال من {أكثرهم}.
وقال ابن عطيَّة: من الضمير في {أكثرهم}، وهذا الذي قاله جائز، لا يقال: إنها حال من المضاف إليه؛ لأن المضاف جزء من المضاف إليه، وذلك جائز.
وفائدة هذا الإضراب ما تقدم ذكره آنفًا.
والنَّبْذُ: الطرح ومنه النَّبِيذ والمَنْبُوذ، وهو حقيقة في الأجْرَام وإسناده إلى العَهْد مَجَاز.
وقال بعضهم: النَّبذ والطَّرْح الإلقاء متقاربة، إلاّ أن النبذ أكثر ما يقال فيما يبس والطَّرح أكثر ما يُقال في المبسوط والجاري مجراه، والإلقاء فيما يعتبر فيه مُلاَقاة بين شيئين؛ ومن مجيء النبذ بمعنى الطَّرْح قوله: الكامل:
إِنَّ الَّذِينَ أَمَرتَهُمْ أَنْ يَعْدِلُوا ** نَبَذُوا كِتَابَكَ وَاسْتَحَلُّوا الْمَحْرَما

وقال أبو الأسود: الطويل:
وَخَبَّرَنِي مَنْ كُنْتُ أَرْسَلْتُ أَنَّما ** أَخَذْتَ كِتَابِي مُعْرضًا بشِمَالِكا

نَظَرْتَ إِلَى عُنْوَانِهِ فَنبَذْتَهُ ** كَنَبْذِكَ نَعْلًا أَخْلَقَتْ مِنْ نِعَالِكَا

.تفسير الآية رقم (101):

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ثم أتبع هذا الإنكار ذكر الكتاب والرسول كما فعل في الإنكار الأول غير أنه صرح هنا بما طواه هناك فقال: {ولما جاءهم رسول} أي عظيم محيطة دعوته بما أشعر به الاسم الأعظم في قوله: {من عند الله} أي الملك الذي له جميع الملك والأمر {مصدق لما معهم} لكونه أتى بكتاب محقق أنه من عند الله لإعجاز نظمه وتصديق معناه لكتابهم {نبذ} أي رمى رمي استخفاف {فريق من الذين أوتوا الكتاب} الأول {كتاب الله} الملك الأعلى الذي أخذ عليهم فيه الميثاق على لسان نبيهم باتباع النبي الأمي أسوأ النبذ بجعله لاستخفافهم به {وراء ظهورهم} بتركهم العمل به وإن حلوه بالذهب ووضعوه على الكراسي بين أيديهم.
وأشعر بعنادهم بقوله: {كأنّهم لا يعلمون}. اهـ.

.اللغة:

{نبذ} النبذ: الطرح والإلقاء، ومنه سمي اللقيط منبوذا، لأنه ينبذ على الطريق، قال الشاعر:
إن الذين أمرتهم أن يعدلوا ** نبذوا كتابك واستحلوا المحرما

{تتلو} تحدث وتروي، من التلاوة بمعنى القراءة، أو بمعنى الاتباع، قال الطبري: ولقول القائل: هو يتلو كذا في كلام العرب معنيان:
أحدهما الاتباع كما تقول: تلوت فلانا إذا مشيت خلفه وتبعت أثره، والآخر: القراءة والدراسة، كقولك: فلان يتلو القرآن أي يقرؤه.
{السحر} قال الجوهري: كل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر، وسحره أيضا بمعنى خدعه وفي الحديث: «إن من البيان لسحرا».
{فتنة} الفتنة: الابتلاء والاختبار، ومنه قولهم: فتنت الذهب إذا امتحنته بالنار لتعرف سلامته أو غشه.
{خلاق} الخلاق: النصيب، قال الزجاج: هو النصيب الوافر من الخير، وأكثر ما يستعمل في الخير.
{لمثوبة} المثوبة: الثواب والجزاء. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن معنى كون الرسول مصدقًا لما معهم هو أنه كان معترفًا بنبوة موسى عليه السلام وبصحة التوراة أو مصدقًا لما معهم من حيث إن التوراة بشرت بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم فإذا أتى محمد كان مجرد مجيئه مصدقًا للتوراة.
أما قوله تعالى: {نَبَذَ فَرِيقٌ} فهو مثل لتركهم وإعراضهم عنه بمثل ما يرمي به وراء الظهر استغناء عنه وقلة التفات إليه.
أما قوله تعالى: {مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} ففيه قولان، أحدهما: أن المراد ممن أوتي علم الكتاب من يدرسه ويحفظه، قال هذا القائل: الدليل عليه أنه تعالى وصف هذا الفريق بالعلم عند قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}، الثاني: المراد من يدعي التمسك بالكتاب سواء علمه أو لم يعلمه، وهذا كوصف المسلمين بأنهم من أهل القرآن لا يراد بذلك من يختص بمعرفة علومه، بل المراد من يؤمن به ويتمسك بموجَبه.
أما قوله تعالى: {كتاب الله وَرَاء ظُهُورِهِمْ} فقيل: إنه التوراة، وقيل: إنه القرآن، وهذا هو الأقرب، لوجهين، الأول: أن النبذ لا يعقل إلا فيما تمسكوا به أولًا وأما إذا لم يلتفتوا إليه لا يقال إنهم نبذوه، الثاني: أنه قال: {نَبَذَ فَرِيقٌ مّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} ولو كان المراد به القرآن لم يكن لتخصيص الفريق معنى لأن جميعهم لا يصدقون بالقرآن، فإن قيل: كيف يصح نبذهم التوراة وهم يتمسكون به؟ قلنا: إذا كان يدل على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام لما فيه من النعت والصفة وفيه وجوب الإيمان ثم عدلوا عنه كانوا نابذين للتوراة.
أما قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} فدلالة على أنهم نبذوه عن علم ومعرفة لأنه لا يقال ذلك إلا فيمن يعلم، فدلت الآية من هذه الجهة على أن هذا الفريق كانوا عالمين بصحة نبوته إلا أنهم جحدوا ما يعلمون، وقد ثبت أن الجمع العظيم لا يصح الجحد عليهم فوجب القطع بأن أولئك الجاحدين كانوا في القلة بحيث تجوز المكابرة عليهم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ} نعتٌ لرسول، ويجوز نصبه على الحال.
{نَبَذَ فَرِيقٌ} جواب {لما}.
{مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب كِتَابَ الله} نصب ب {نَبَذَ}، والمراد التوراة؛ لأن كفرهم بالنبيّ عليه السلام وتكذيبَهم له نبذٌ لها.
قال السُّدّى: نبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف، وسِحْرِ هاروت وماروت.
وقيل: يجوز أن يعني به القرآن.
قال الشَّعْبِيّ: هو بين أيديهم يقرءونه؛ ولكن نبذوا العمل به.
وقال سفيان بن عُيَيْنة: أدرجوه في الحرير والديباج، وحلَّوه بالذهب والفضة، ولم يُحِلُّوا حلاله ولم يحرّموا حرامه؛ فذلك النَّبذ.
وقد تقدّم بيانه مستوفى.
{كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} تشبيهٌ بمن لا يعلم، إذ فعلوا فعل الجاهل، فيجيء من اللفظ أنهم كفروا على علْم. اهـ.